موضوع: ** آداب المتعلم ** الخميس نوفمبر 27, 2008 2:59 am
اخواتي العزيزات.. كتاب ( تذكرت السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم ) راائع جدا .. اعجبني كثيرا , وهو من تأليف الإمام العالم : ابن جماعة رحمه الله فأحببت أن انقل إليكم مقتطفات منه , وخصوصا ما يتعلق بالمتعلم وطلبة العلم .. ~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
** من آداب المتعلم في نفسه ** أن يطهر قلبه من كل غش ودنس وغلّ وحسد وسوء عقيدة وخلق؛ ليصلح بذلك لقبول العلم وحفظه، والاطلاع على دقائق معانيه وحقائق غوامضه، فإن العلم ـ كما قال بعضهم ـ صلاة السر وعبادة القلب وقربة الباطن، وكما لا تصلح الصلاة التي هي عبادة الجوارح الظاهرة إلا بطهارة الظاهر من الحدث والخبث فكذلك لا يصح العلم الذي هو عبادة القلب إلا بطهارته عن خبث الصفات وحدث مساوئ الأخلاق ورديئها. اهـ
حسن النية في طلب العلم بأن يقصد به وجه الله تعالى والعمل به وإحياء الشريعة، وتنوير قلبه وتحلية باطنه والقرب من الله تعالى يوم القيامة والتعرض لما أعد لأهله من رضوانه وعظيم فضله. اهـ ..... وذكر الإمام ابن جماعة طريقة رااائعة في الحفظ .... وهي : أن يقسم أوقات ليله ونهار ويغتنم ما بقي من عمره فإن بقية العمر لا قيمة له. وأجود الأوقات للحفظ الأسحار وللبحث الإبكار وللكتاب وسط النهار وللمطالعة والمذاكرة الليل. اهـ وقال الخطيب: أجود أوقات الحفظ الأسحار ثم وسط النهار ثم الغداة. قال: وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع. قال: وأجود أماكن الحفظ الغرف وكل موضع بعيد عن الملهيات. قال: وليس بمحمود الحفظ بحضرة النبات والخضرة والأنهار وقوارع الطريق وضجيج الأصوات لأنها تمنع من خلو القلب غالبًا. [size=16]** من آدابه المتعلم مع شيخه وقدوته ** ينبغي للطالب أن يقدم النظر ويستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه ويكتسب حسن الأخلاق والآداب منه وليكن إن أمكن ممن كملت أهليته وتحققت شفقته وظهرت مروءته وعرفت عفته واشتهرت صيانته وكان أحسن تعليمًا وأجود تفهيمًا ولا يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق جميل.
أن يعرف له حقه ولا ينسى له فضله، قال شعبة: كنت إذا سمعت من الرجل الحديث كنت له عبدًا ما يحيا، وقال: ما سمعت من أحد شيئًا إلا واختلفت إليه أكثر مما سمعت منه. ومن ذلك أن يعظم حرمته ويرد غيبته ويغضب لها، فإن عجز عن ذلك قام وفارق ذلك المجلس. وينبغي أن يدعو له مدة حياته ويرعى ذريته وأقاربه وأوداءه بعد وفاته، ويتعمد زيارة قبره والاستغفار له والصدقة عنه ويسلك في السمت والهدى مسلكه، ويراعي في العلم والدين عادته ويقتدي بحركاته وسكناته، في عاداته وعباداته، ويتأدب بآدابه ولا يدع الاقتداء به.
أن يصبر على جفوة تصدر من شيخه أو سوء خلق ولا يصده ذلك عن ملازمته وحسن عقيدته، ويتأول أفعاله التي يظهر أن الصواب خلافها على أحسن تأويل، ويبدأ هو عند جفوة الشيخ بالاعتذار والتوبة مما وقع والاستغفار، وينسب الموجب إليه ويجعل العَتْبَ عليه فإن ذلك أبقى لمودة شيخه واحفظ لقلبه وأنفع للطالب في دنياه وآخرته.
أن يشكر الشيخ على توقيفه على ما فيه فضيلة، وعلى توبيخه على ما فيه نقيصة، أو على كسل يعتريه، أو قصور يعاينه أو غير ذلك مما في إيقافه عليه وتوبيخه إرشاده وصلاحه، ويعد ذلك من الشيخ من نعم الله تعالى عليه باعتناء الشيخ به ونظره إليه، فإن ذلك أمثل إلى قلب الشيخ وأبعث على الاعتناء بمصالحه.
أن يجلس بين يدي الشيخ جلسة الأدب كما يجلس الصبي بين يدي المقري أو متربعًا بتواضع وخضوع وسكون وخشوع ويصغي إلى الشيخ ناظرًا إليه ويقبل بكليته عليه متعقلاً لقوله بحيث لا يُحْوِجُه إلى إعادة الكلام مرة ثانية، ولا يلتفت من غير ضرورة، ولا ينظر إلى يمينه أو شماله أو فوقه أو قدامه بغير حاجة ولاسيما عند بحثه له أو عند كلامه معه
** من آداب المتعلم في دروسه وقراءته ** أن يبتدئ أولاً بكتاب الله العزيز فيتقنه حفظًا ويجتهد على إتقان تفسيره وسائر علومه، فإنه أصل العلوم وأمها وأهمها. ثم يحفظ من كل فن مختصرًا يجمع فيه بين طرفيه من الحديث وعلومه، والأصولين والنحو والتصريف، ولا يشتغل بذلك كله عن دراسة القرآن وتعهده وملازمة ورده منه في كل يوم أو أيام أو جمعة كما تقدم، وليحذر من نسيانه بعد حفظه فقد ورد فيه أحاديث تزجر عنه. ويشتغل بشرح تلك المحفوظات على المشايخ وليحذر من الاعتماد في ذلك على الكتب أبدًا، بل يعتمد في كل فن من هو أحسن تعليمًا له وأكثر تحقيقًا فيه وتحصيلاً منه وأخبرهم بالكتاب الذي قرأه وذلك بعد مراعاة الصفات المقدمة من الدين والصلاح والشفقة وغيرها.
أن يحذر في ابتداء أمره من الاشتغال في الاختلاف بين العلماء وكذلك يحذر في ابتداء طلبه من المطالعات في تفاريق المصنفات فإنه يضيع زمانه ويفرق ذهنه ..
أن يصحح ما يقرؤه قبل حفظه تصحيحًا متقنًا .. أن يبكر بسماع الحديث ولا يهمل الاشتغال به وبعلومه والنظر في إسناده ورجاله ومعانيه وأحكامه وفوائده ولغته وتواريخه.
أن يغتنم وقت فراغه ونشاطه وزمن عافيته وشرخ شبابه ونباهة خاطره وقلة شواغله قبل عوارض البطالة أو موانع الرياسة، قال عمر رضي الله عنه: تفقهوا قبل أن تسودوا. وقال الشافعي رضي الله عنه: تفقه قبل أن ترأس فإذا رأست فلا سبيل إلى التفقه. وليحذر من نظر نفسه بعين الجمال والاستغناء عن المشايخ فإن ذلك عين الجهل وقلة المعرفة وما يفوته أكثر مما حصله
أن لا يستحيي من سؤال ما أشكل عليه وتفهم ما لم يتعقد بتلطف وحسن خطاب وأدب وسؤال. قال عمر رضي الله عنه: من رق وجهه رق علمه، وقد قيل: من رق وجهه عند السؤال ظهر نقصه عند اجتماع الرجال، وقال مجاهد: لا يتعلم العلم مستحيي ولا مستكبر. وقالت عائشة رضي الله عنها: رحم الله نساء الأنصار لم يكن الحياء يمنعهن أن يتفقهن في الدين. وقالت أم سليم رضي الله عنها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله لا يستحيي من الحق، هل على امرأة من الغسل إذا احتلمت؟ ولا يسأل عن شيء في غير موضعه إلا لحاجة أو علم بإيثار الشيخ ذلك، وإذا سكت الشيخ عن الجواب لم يلح عليه، وإن أخطأ في الجواب فلا يرد في الحال عليه وقد تقدم، وكما لا ينبغي للطالب أن يستحيي من السؤال فكذلك لا يستحيي من قوله لم أفهم إذا سأله الشيخ لأن ذلك يفوت عليه مصلحته العاجلة والآجلة، أما العاجلة فحفظ المسألة ومعرفتها واعتقاد الشيخ فيه الصدق والورع والرغبة، والآجلة سلامته من الكذب والنفاق واعتياده التحقيق.
أن يرغب بقية الطلبة في التحصيل ويدلهم على مظانه ويصرف عنهم الهموم المشغلة عنه ويهون عليهم مؤنته ويذاكرهم بما حصله من الفوائد والقواعد والغرائب وينصحهم بالدين، فبذلك يستنير قلبه ويزكو عمله ومن بخل عليهم لم يثبت علمه، وإن ثبت لم يثمر، وقد جرب ذلك جماعة من السلف، ولا يفخر عليهم أو يعجب بجودة ذهنه بل يحمد الله تعالى على ذلك ويستزيده منه بدوام شكره.